سجّل في : 07 يناير 2008
عدد المساهمات : 25
موضوع: ووجدة ضالا فهدى الجمعة يناير 11, 2008 9:54 pm
--------------------------------------------------------------------------------
المقصود من الضَلال المنسوب إلى الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) في الآية التالية : و وجدك ضالاً فهدى
رغم وجود الاختلاف بين العلماء و المفسرين في معنى هذه الآية المباركة ، و بالرغم من وجود آراء و وجهات نظر عديدة بالنسبة لمعنى الضلال المذكور في الآية ، إلا أنه من الواضح جداً أن المراد من الضلال في الآية ليس هو الضلال بمعنى الكفر أو الانحراف عن الدين ، ذلك لأن النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) معصوم و مُنَزَّهٌ عن كل أنواع الخطأ و الزلل .
لكن لكي يتبين لنا المراد من قول الله عَزَّ و جَلَّ : { وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى } [1] فلابد لنا من مراجعة أقوال المفسرين حتى نقف على المقصود من الضلال المذكور في الآية .
الأقوال في معنى الضلال :
فيما يلي نستعرض أهم الأقوال المذكورة في معنى هذه الآية :
1. المراد من الضلال هو خمول ذكر النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) بين الناس و بين قومه قبل النبوة ، فيكون معنى الآية أن الله عَزَّ و جَلَّ هو الذي رفع ذِكر النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) بين الناس بالرسالة و النبوة .
2. المراد من الضَلال هو أنه لولا هداية الله عَزَّ و جَلَّ النبيَ ( صلَّى الله عليه و آله ) إلى الحق و الصراط القويم لما اهتدى إلى ذلك .
3. إن معنى " ضالاً " مضلولاً عنه ( صلَّى الله عليه و آله ) بين الناس فلولا هداية الله لهم ، لما اهتدى الناس إليه .
و يؤيد هذا القول ما جاء في عيون الأخبار عن الإمام الرضا ( عليه السَّلام ) أنه قال للمأمون : " ... و قد قال الله عَزَّ و جَلَّ لنبيه محمد ( صلَّى الله عليه و آله ) : { وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى } يعنى عند قومك ، فـ " هدى " أي هداهم إلى معرفتك ... " [2] .
4. إن المراد هو أن الله عَزَّ و جَلَّ قد هداك إلى الطريق بعد أن ضللت الطريق بين مكة و المدينة عند هجرتك إليها .
5. إن المراد هو أن الله عَزَّ و جَلَّ وجدك بين أناس ضالين فاستنقذك من بينهم [3] .
قال العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) :
" قال تعالى : { وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى } [4] المراد بالضلال عدم الهداية ، و المراد بكونه ( صلى الله عليه و آله و سلَّم ) ضالا حاله في نفسه مع قطع النظر عن هدايته تعالى فلا هدى له ( صلى الله عليه و آله و سلَّم ) و لا لأحد من الخلق إلا بالله سبحانه فقد كانت نفسه في نفسها ضالة و إن كانت الهداية الإلهية ملازمة لها منذ وجدت فالآية في معنى قوله تعالى : { ... مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ ... } [5] ، و من هذا الباب قول موسى على ما حكى الله عنه : { ... فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ } [6] ، أي لم أهتد بهدى الرسالة بعد .
و يقرب منه ما قيل : إن المراد بالضلال الذهاب من العلم كما في قوله : { ... أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى ... } [7] ، و يؤيده قوله : { ... وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ } [8] .
و قيل المعنى وجدك ضالا بين الناس لا يعرفون حقك فهداهم إليك و دلهم عليك .
و قيل : إنه إشارة إلى ضلاله في طريق مكة حينما كانت تجئ به حليمة بنت أبي ذؤيب من البدو إلى جده عبد المطلب على ما روي .
و قيل : إشارة إلى ما روي من ضلاله في شعاب مكة صغيرا .
و قيل : إشارة إلى ما روي من ضلاله في مسيره إلى الشام مع عمه أبي طالب في قافلة ميسرة غلام خديجة .
و قيل : غير ذلك و هي وجوه ضعيفة ظاهرة الضعف [9] .
و قال السيد المرتضى ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) : " فإن قيل فما معنى قوله تعالى : { وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى } أو ليس هذا يقتضي إطلاقه الضلال عن الدين ؟ و ذلك مما لا يجوز عندكم قبل النبوة و لا بعدها ؟
الجواب : قلنا في معنى هذه الآية أجوبة :
أولها : انه أراد : وجدك ضالا عن النبوة فهداك إليها ، أو عن شريعة الإسلام التي نزلت عليه و أمر بتبليغها إلى الخلق ، و بإرشاده ( صلَّى الله عليه و آله ) إلى ما ذكرناه اعظم النعم عليه ، و الكلام في الآية خارج مخرج الامتنان و التذكير بالنعم ، و ليس لأحد أن يقول إن الظاهر بخلاف ذلك ، لأنه لابد في الظاهر من تقدير محذوف يتعلق به الضلال ، لان الضلال هو الذهاب و الانصراف فلا بد من أمر يكون منصرفا عنه ، فمن ذهب إلى انه أراد الذهاب عن الدين فلا بد له من أن يقدر هذه اللفظة ثم يحذفها ليتعلق بها لفظ الضلال ، و ليس هو بذلك أولى منا فيما قدرناه و حذفناه .
و ثانيها : أن يكون أراد الضلال عن المعيشة و طريق الكسب ، يقال للرجل الذي لا يهتدي طريق معيشته و وجه مكسبه : هو ضال لا يدري ما يصنع و لا أين يذهب ، فامتن الله تعالى عليه بأن رزقه و أغناه و كفاه .
و ثالثها : أن يكون أراد و وجدك ضالا بين مكة و المدينة عند الهجرة فهداك و سلمك من أعدائك ، و هذا الوجه قريب لولا أن السورة مكية و هي متقدمة للهجرة إلى المدينة ، اللهم إلا أن يحمل قوله تعالى " و وجدك " على انه سيجدك على مذهب العرب في حمل الماضي على معنى المستقبل فيكون له وجه .
و رابعها : أن يكون أراد بقوله " و وجدك ضالا فهدى " أي مضلولا عنه في قوم لا يعرفون حقك فهداهم إلى معرفتك و أرشدهم إلى فضلك ، و هذا له نظير في الاستعمال ، يقال : فلان ضال في قومه و بين أهله إذا كان مضلولا عنه .
و خامسها : أنه روي في قراءة هذه الآية الرفع " ألم يجدك يتيمٌ فآوى و وجدك ضالٌ فهدى " على أن اليتيم وَجَدَهُ و كذلك الضالُ ، و هذا الوجه ضعيف لان القراءة غير معروفة ، و لان هذا الكلام يسمج و يفسد اكثر معانيه تنزيه سيدنا محمد ( عليه السَّلام ) عن مدح آلهة قريش [10] .
خلاصة القول :
نعم خلاصة القول هو ما أشار إليه العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي حيث قال في قول الله تعالى { وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى } : " لا يدل على وجود ضلالة فعلية و لا على وجود جهل فعلي قبل النبوة .
بل غاية ما يدل عليه هو أنه ( ( صلى الله عليه و آله و سلَّم ) ) لولا هداية الله له لكان ضالا و لولا تعليم الله له لكان جاهلا .
أي لو أن الله أو كله إلى نفسه ، فإنه بما له من قدرات ذاتية و بغضِّ النظر عن الألطاف الإلهية ، و العنايات الربانية ضال قطعا ، و جاهل بلا ريب ، فهو من قبيل قولك : ما أنا في نفسي بفوق أن أخطئ لولا لطف الله و عصمته و توفيقه ، لكن بعد أن كان لطف الله حاصلا من أول الأمر فإن العصمة تكون حاصلة بالضرورة من أول الأمر أيضا [11] .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] سورة الضحى ( 93 ) ، الآية : 7 .
[2] الشيخ الحويزي ، تفسير نور الثقلين : 5 / 596 .
[3] للتَّعَرُف على الأقوال المختلفة في معنى الضلال المذكور في الآية يراجع : تفسير الميزان : 20 / 310 ، للمُفسِّر الكبير العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) ، و التبيان في تفسير القرآن : 10 / 369 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) ، و تفسير القمي : 2 / 427 ، لعلي بن ابراهيم القمي ( رحمه الله ) .
[4] سورة الضحى ( 93 ) ، الآية : 7 .
[5] سورة الشورى ( 42 ) ، الآية : 52 .
[6] سورة الشعراء ( 26 ) ، الآية : 20 .
[7] سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 282 .
[8] سورة يوسف ( 12 ) ، الآية : 3 .
[9] تفسير الميزان : 20 / 310 ، للمُفسِّر الكبير العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) .
[10]يراجع : تنزيه الانبياء : 150 ، للسيد المرتضى ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) ، و عصمة الانبياء : 92 ، لفخر الدين الرازى .
[11] الصحيح من سيرة النبي : 2 / 200 ، للعلامة السيد جعفر مرتضى العاملي .